لأن الشعب السوري ثار ضد نظام دموي مجرم كان لا بد من الاعتناء أولاً بالعمل الطبي، فعدوه لم يتوانَ يوماً عن استهداف طفل أو امرأة أو شيخ، ما دفع القائمين على الأمر للاهتمام أكثر بالخدمات الصحية وتنظيم عملها لا سيما بعد أن اشتد قصف النظام المجرم والذي أنهك البنى التحتية وخلّف آلاف الإصابات التي تحتاج لرعاية طبية طويلة.
تشكلت وزارة الصحة عام 2017، وكانت ركناً أساسياً من أركان حكومة الإنقاذ، وبدأت عملها عبر تفعيل المديريات، وتنظيم العمل المؤسساتي، فنظمت مهام مديرية المستشفيات، ومديرية الطبابة الشرعية، ومديرية الرقابة الدوائية، ومديرية الشؤون الصيدلانية، ومنظومة الإسعاف، وغيرها من المديريات التي ساهمت في ترسيخ العمل المؤسساتي للوصول إلى واقع صحي سليم وتنظيم عمل السوق الدوائية في المحرر.
وفعّلت وزارة الصحة عمل مديرية الرعاية الصحية كونها تعد مدخلاً أساسياً لنظام صحي سليم، ونشّطت بعض أقسام المديرية كدائرة صحة الفم والأسنان، والصحة العامة، والصحة المدرسية، والتي فُعلت بشكل جزئي من خلال التعاون مع وزارة التربية والتعليم.
بينما اهتمت مديرية المستشفيات في منح التراخيص اللازمة لعمل المستشفيات الخاصة، ومتابعة معايير الجودة والرقابة عليها، وذلك عبر تنفيذها مجموعة من الجولات قاربت الستين جولة شهرياً، ورخصت المديرية خلال الأعوام الماضية واحداً وعشرين مستشفىً خاصاً، كما أولت اهتماماً إضافياً بموضوع الشكاوى الطبية المتعلقة بعمل المستشفيات، وتابعتها بشكل صارم لتحقيق الرقابة الصحية.
وأما مديرية الشؤون الصيدلانية فقد تركز عملها على ترخيص الصيدليات، ومستودعات الأدوية، والإشراف على عملها، والتأكد من التزامها بالقوانين والأنظمة، إضافة لمتابعة الشكاوى المقدمة من الأهالي، فقد خصصت المديرية جهة تواصل يمكن لأي مواطن مراسلتها لتقديم شكوى على أحد الصيدليات في حال باعته دواء مخالفاً للمواصفات، أو غيرت بسعر الدواء المحدد، ونالت تلك الشكاوى اهتماماً خاصاً من المديرية لفرض مزيد من الضبط على السوق الدوائية فقد اتخذت عدة إجراءات بحق المخالفين.
وخلال شهر آذار الماضي رخصت المديرية ثمانياً وعشرين صيدلية، وجددت ومنحت الرخص لخمسة مستودعات دوائية، وتعد الجولات الرقابية من صلب عمل المديرية ما دفع القائمين عليها للاهتمام بهذا الجانب، وتسيير الدوريات على مدار اليوم على الصيدليات والمستودعات الدوائية.
وفي ذات السياق، تولت مديرية الرقابة الدوائية مسؤولية ضبط السوق الدوائية في المحرر، عبر جملة من الإجراءات بدأتها بمتابعة عمل الصيدليات والمستودعات الطبية، ومراقبة الأدوية المستوردة والمنتجة محلياً وفحصها للتأكد من فعاليتها، واستثناء الأنواع الرديئة منها عبر إصدار نشرات مستمرة بأصناف دوائية يجب سحبها من الأسواق تحت إشراف الدائرة.
ومن خلال متابعة وزارة الصحة للواقع الطبي في المحرر، لمست حاجة منطقة أريحا وجبل الزاوية لمنظومة إسعاف، فأنشأت منظومة متكاملة لتخديم الأهالي في تلك المنطقة، وبدأت المنظومة بنقل الحالات الباردة والساخنة من مكان إصابتها إلى مستشفيات المحرر وتخدم المنظومة شهرياً نحو مئتين وخمسين حالة إسعاف، وقد وضعت الوزارة خططاً لتطوير عملها وزيادة عدد الآليات والكوادر المدربة.
أما مديرية الطبابة الشرعية فشكلت إحدى الدوائر المهمة في الوزارة وبدأت باستقبال القضايا والكتب المحولة من المحاكم ووزارة الصحة لإبداء الرأي، كفحص السجناء والتأكد من خلوهم من الأمراض العصبية والنفسية، كما تجري فحوصات الخبرات الطبية المتعلقة بالقضايا الجنائية، وتستقبل الحالات المحولة من السجل المدني والمحاكم بغرض تقدير الأعمار، ناهيك عن عملهم الرسمي في فحص الجثث من أجل الوقوف على أسباب الوفاة وزمنها.
كما تشارك الطبابة الشرعية في تشكيل لجان طبية مختصة للوقوف على الادعاءات المرفوعة على الكوادر الطبية، إضافة لفحص الطبيب الشرعي للجثث بعد دفنها، وذلك بالتعاون مع الشرطة وجهاز الأمن وذلك من أجل الوقوف على سبب الوفاة أو حالات مشتبهة أخرى.
وتستقبل الطبابة الشرعية حالياً الموظفين المتقدمين إلى الوظائف أو القائمين على عملهم بكتاب محول من الدوائر التابعة لها إلى الطبابة الشرعية لفحص العاملين، كما تستقبل الطبابة الشرعية الجثث التي تتطلب تقارير وفاة، والجثث مجهولة الهوية التي تحتاج لإجراء فحوصات وتشريح.
وبلغ عدد الحالات التي عرضت على المديرية خلال الربع الأول من العام الجاري أكثر من ألف وثمانمئة حالة من مختلف الأنواع.
وأما فيما يخص زيادة عدد الكوادر الطبية، سعت الوزارة عن طريق المجلس السوري الأعلى للتخصصات الطبية لتأمين فرصة لطلاب كلية الطب البشري للحصول على شهادة الطب المتخصص، ويسعى المجلس لافتتاح أقسام جديدة تتيح للطبيب الخريج اختيار القسم المناسب لرغبته ومهارته، منها تخصصات للأطباء البشريين، وأطباء الأسنان، والصيادلة، ما يسهم برفد المحرر بالكفاءات الطبية المختصة والمميزة، وقد بلغ عدد الأطباء المسجلين تسعةٌ وأربعين طبيباً يتوزعون على مختلف الأقسام التخصصية، فيما بلغ عدد المقيمين للاختصاص والمباشرين اثنين وثلاثين طبيباً.
ومن ناحية أخرى، لم يمنع ضعف الإمكانات المادية من تخصيص موارد لدعم المستشفيات، والمراكز الصحية، فتقدم الوزارة الدعم الكامل لمستشفى أريحا المركزي، وتدعم مستشفى الشفاء في إدلب بشكل نسبي، وساهمت في تأمين المستلزمات والأجهزة الطبية والكوادر لمستشفى إدلب الجامعي، وافتتحت الوزارة عدة مراكز صحية في قرى جبل الزاوية “مرعيان، وبزابور، وإبلين”، بالإضافة لمركز مشهد روحين، لتقدم تلك المراكز خدماتها للأهالي بشكل مجاني.
وفي وزارة الصحة مديرية خاصة بالشؤون القانونية ومن مهامها تدقيق وإعداد مشروعات القوانين الخاصة بالوزارة، وتوثيقها، ومتابعة تطويرها، والمشاركة مع الجهات المعنية في اقتراح تعديل ودراسة وتدقيق الأنظمة الداخلية الخاصة بالنقابات والهيئات الطبية، إضافة لتمثيل وزارة الصحة أمام المحاكم بدرجاتها كافة، وإعداد الدفوع والمطالعات اللازمة المتعلقة بالخلافات والدعاوى التي تكون الوزارة طرفاً فيها.
كما تتلقى المديرية الشكاوى المرفوعة على الكوادر الطبية فيما يخص الأخطاء الطبية الناتجة عن عملهم وتتابعها بالتنسيق مع اللجان الطبية المختصة، أما مديرية الموارد البشرية فتقترح سياسات وخطط إدارة وتنمية الموارد البشرية في الوزارة وتقدر احتياجها، وتسيّر شؤون العاملين في الوزارة وتستقطب الموارد البشرية وتؤهل وتدرب تلك الكوادر إضافة لتقييم أداء العاملين.
ومؤخرا نظمت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ وبمشاركة جامعة إدلب وكلية الشريعة والحقوق ونقابة الأطباء ونقابة الأكاديميين، مؤتمراً حمل عنوان “مناقشة مشروعية التداوي وأحكام الممارسة الطبية وتوصيف الأخطاء والاختلاطات الطبية وأحكامها” في مدينة إدلب وشُكلت خلال المؤتمر ورشات عمل لقوننة العمل الطبي ووضع ناظم مهني للواقع الصحي في المحرر.
ودأبت الوزارة خلال الأشهر الماضية على رفد كوادرها بالاختصاصات الطبية كافة، كما سعت لزيادة أعدادها بغية تغطية كامل المحرر ما يساهم بارتقاء العمل الطبي، ويوفر على المرضى مشقة البحث عن علاج ضمن المشافي الخاصة أو ضمن الأراضي التركية.